<<< THE HoOD>>>
تباين المواقف حيال قرار الاتحاد السعودي لكرة القدم بإقالة مدرب الهلال الروماني كوزمين حالة طبيعية، إذ ليس من المعقول أن تكون كل
الآراء نسخة عن بعضها، خصوصا وأن الدوافع التي تحكم تلك المواقف وتحركها ذات منطقات مختلفة، لكن ما ليس طبيعيا هو تسابق بعض الأطراف الرياضية لاسيما المتنافسة على استعداء السلطة الرياضية ضد بعضها البعض عند أي موقف وحيال أي قضية.
مبدئيا نحن متفقون على أن ما قام به كوزمين تصرف مرفوض بعيدا عن أية تفاصيل، لكن ما هو مرفوض أكثر هو المساعي التي بذلها البعض لتغذية الموقف سلبيا، وإدخاله في إطار سوداوي عبر آراء متشنجة وإطروحات مكشوفة بهدف تعكير صفو الهلال وبعثرة أوراقه ضمن لعبة التجاذبات، بيد أن أعظم ما يؤسف له في هذا السياق أن يتم تعليق تلك الآراء المفضوحة على مشجب الوطنية.
لا أريد هنا أن أتحدث باستفاضة عن استغلال البعض بطريقة سمجة ومكشوفة لتصرف كوزمين الأرعن من أجل استصدار عقوبة بحقه، إذ لست أرى في ذلك غرابة، فقد سبقهم إلى ذلك آخرون وفي مواقف مشابهة حتى باتت لعبة "استحلاب العقوبات" فن يجيده كل الأفرقاء، لكنني هنا أسعى لإسقاط قضية المدرب الروماني على واقعنا الرياضي والإعلامي فيما يتعلق بتحويل التعاطي مع أي قضية على أنها مسألة وطنية، حتى باتت وطنيتنا ثوبا يوسع ويضيق على كل المقاسات، ورهن تصرف أي شخص، حتى صار من السهولة بمكان أن تعلق نياشين الوطنية على صدر بزة هذا الشخص، وان تخلع كامل البزة عن شخص آخر لمجرد رأي إعلامي أو موقف رياضي.
ما يؤسف له في وسطنا الرياضي أن الوطنية صارت مجرد صراخ في الهواء و حبرا ينثر على ظهر الورق، ونوتة يتلاعب بها من هب ودب حتى تحولت إلى معزوفة نشاز تصم آذاننا وتلوث فضاءنا، والعازفون البلداء لا يخجلون من إدخال الوطنية في بازاراتهم التي يقتاتون من ورائها على حساب الكلمة الحرة والمواقف غير مدفوعة الثمن.
قضية كوزمين وما شابهها ليست سوى رأس جبل الجليد، فالمتاجرون بالوطنية في وسطنا الرياضي تكون سوقهم في أوج رواجها حينما تبدأ عجلات حافلة المنتخب الوطني بالدوران، حيث يتابرون في مساجلة بعضهم البعض لمجرد رأي فني أو حتى خلاف على موقف إداري، وقد تابعنا ذلك جيدا في الفترة الأخيرة التي صاحبت إخفاق "الأخضر" في دورة الخليج الأخيرة، وفي مواقف أخرى مشابهة تتعلق بالمنتخب.
إنني هنا أدعو أصحاب الفكر الوطني المتنور للتصدي لهذا التعاطي الأخرق مع مبدأ الوطنية، من أجل تنظيف بيئتنا الرياضية من وحل التعصب الذي لا يفرق بين ألوان النادي وألوان الوطن، ومعالجة واقعنا المزري من أدران الحقد حتى لا يستشري فيه، وتلك مسؤولية جسيمة لكنها حتما ليست مستحيلة، طالما هناك عقلاء يدركون أن الوطن أكبر من كوزمين وأهم من كيتا، وأرحب من الهلال والنصر والأهلي والاتحاد وكل الأندية التي ينبغي أن تتقازم في حضرة الوطن.